الأحد، 27 يونيو 2010

نتوءات قوس قزح : رواية جديدة للدكتور مصطفى عطية



روابط نشر خبر الرواية :

جريدة القبس الكويتية 26 / 6 / 2010 http://www.alqabas.com.kw/Article.aspx?id=616919&date=26062010


موقع ميدل إيست أونلاين http://www.middle-east-online.com/?id=94402

صدرت رواية ( نتوءات قوس قزح) للكاتب والناقد د. مصطفي عطية جمعة عن مؤسسة سندباد للنشر بالقاهرة يونيه2010، في 120 صفحة من القطع المتوسط، ولوحة الغلاف للفنانة العراقية رؤيا رءوف، وقدم الناشر الرواية بكلمة نقدية على الغلاف الأخير قائلا:
تُحلق بنا هذه الرواية في عالم شخصية "بدرية"، التي لا تملك إلا عطاءها نحو من حولها، مثلها مثل الملايين عنوان حياتهن البساطة، وسبيلها الكدّ، وثمرتها العطاء.
إنها رواية الزمن الممتد من طفولتها إلى كهولتها، وأيضًا رواية الزمن القصير الذي يدور في يوم واحد في حياة بدرية، مع حركة قوس قزح، فتقف على نتوءاته، متأملة محطات حياتها لتقول كلمتها الأخيرة.
وهي رواية الفيوم/ المكان في أعماق هذه المرأة التي شهدت تغيرات المدينة عبر نصف قرن، وأيضًا هي رواية الوطن عندما يكتفي أبناؤه بالصمت والترقب.
السيرة الذاتية

* د. مصطفى عطية جمعة
* من مواليد محافظة الفيوم ـ مصر
* عضو اتحاد كتاب مصر، ونادي القصة بالقاهرة
* دكتوراه في البلاغة والنقد الأدبي، كلية دار العلوم.
** نشر البحوث والدراسات والمقالات في:
* أولا المجلات: البيان (الكويت)، المحيط الثقافي (مصر)، الثقافة الجديدة (مصر)، أدب ونقد (مصر)، الرافد (الإمارات)، جذور السعودية، دبي الثقافية، المدى (دمشق)، الثقافة الشعبية (البحرين)
* ثانيا صحف الكويت: القبس/ السياسة/ الرأي العام، عالم اليوم
* يتولى الإشراف والمساهمة في كثير من المنتديات الأدبية والثقافية الإلكترونية
** حاز:
* الجائزة الأولى في الرواية، دار سعاد الصباح، الكويت، 1999م.
* جائزة في النقد الأدبي، جائزة الشارقة، 2000
* الجائزة الثانية في الرواية، نادي القصة، القاهرة، 2001 .
* جائزة لجنة العلوم السياسية، المجلس الأعلى للثقافة، مصر 1999
* جائزة مركز الخليج للدراسات السياسية والإستراتيجية، القاهرة/ البحرين، 2002 .
* خمس جوائز في مسابقة الكويت في القصة والبحوث الإسلامية.
* المركز الأول في مسابقة إحسان عبد القدوس في النقد الأدبي، القاهرة، 2009م .
** صدر للكاتب:
* وجوه للحياة ـ قصص ـ إصدارات نصوص 90 القاهرة، 1997م
* نثيرات الذاكرة ـ دار سعاد الصباح ـ القاهرة/ الكويت، 1999م
* دلالة الزمن في السرد الروائي ـ نقد ـ الشارقة، 2001
* شرنقة الحلم الأصفرـ رواية ـ مركز الحضارة العربية2002م .
* طفح القيح ـ قصص ـ مركز الحضارة العربية القاهرة 2005م .
* أشكال السرد في القرن الرابع الهجري ـ نقد ـ مركز الحضارة العربية القاهرة 2006م
*أمطار رمادية ـ مسرحية ـ مركز الحضارة العربية بالقاهرة 2007
* هيكل سليمان ـ إسلاميات ـ دار الفاروق للنشر القاهرة 2008م
* ما بعد الحداثة في الرواية العربية الجديدة. الذات، الوطن، الهوية، منشورات مؤسسة الوراق للنشر، عمان، الأردن ( 2010) .
* نتوءات قوس قزح ـ رواية ـ سندباد للنشر بالقاهرة 2010
** تحت الطبع:
* الظلال والأصداء ـ نقد أدبي ـ منشورات اتحاد الكتاب بمصر.
* الرحمة المهداة ـ إسلاميات ـ مركز الإعلام العربي القاهرة.
* اللحمة والسداة ـ نقد أدبي.




تيار الوعي : رؤية مكانية زمانية ( مقال منشور في جريدة الراي الكويتية )

نشرت جريدة الراي الكويتية مقالا للدكتور مصطفى عطية على هذا الرابط :
نص المقال :
تيار الوعي : رؤية مكانية نفسية زمانية
د. مصطفى عطية جمعة
ربما يكون المفهوم المبسط لمصطلح «تيار الوعي»، هو المفهوم الذي قدمته «فرجينيا وولف» في مؤلفها الشهير «القارئ العادي»، حيث لمسنا تحديدا للمصطلح بشكل مبسط، صاغته مترجمة الكتاب بقولها: «إنه أسلوب التسلسل العفوي»، وحددته أكثر بـ «أنه أسلوب الشيء بالشيء يُذكر» (1) وهو في ظاهره مبسط، ولكنه ينطوي على جوهر هذا الأسلوب الفني، الذي أضحى من سمات القصص بخاصة، والفن بشكل عام في القرن العشرين. فعندما يذكر أحد الأمور، فإن العقل سرعان ما يتداعى إليه بشكل عفوي ما يتصل بهذا الأمر، سواء مما يحبه الفرد أو ما يكرهه. وفي تلك اللحظة، فإن قرار الفرد أو سلوكه سيتحدد بناء على تلك الخلفية المتداعية. وقد يكون الأمر جديدا عليه، وحينئذ تتوزعه أيضا مجموعة من المشاعر التي تتباين بين الرغبة في المعرفة والخوف من الجديد. وهذا لا شيء فيه على صعيد الواقع الإنساني المعتاد منذ فجر الخليقة، فما الجدل إذاً- إزاء ذلك المصطلح؟ مشروعية السؤال تأتت من المعرفة المبسطة السابقة، ولكن على مستوى الفن القصصي خصوصا كان الأمر جد مختلف. فالقص موضوعه منذ الأزل علاقة الإنسان مع أخيه، أو مع الطبيعة. وتلك العلاقة لم تكن مجرد سلوكيات، بل سبقتها دوافع ونوازع متعددة، ترسبت في داخل الإنسان، وحركت توجهاته. إلا أن القص كان يتوقف عند الوصف السلوكي الظاهري والتركيز على البعد الاجتماعي أو الظاهري في المسألة دون التعمق فيه. وبقي الإنسان كنفس ونزوع في عزلة عن السياق القصصي. فالقاص يعرض النتيجة دون ذكر العمق النفسي الذي يكمن وراءها. ولكن مع اقتراب أو انكفاء الإنسان على ذاته في عصر الثورة الصناعية، حيث كان القلق والخوف والإحساس بالتلاشي يسيطر عليه، أمام جبروت المدنية بمصانعها ومداخنها، بدأ يتأمل تلك النفس التي يحتويها جسده. ومن ثم كانت مكتشفات «فرويد» حول العقد الغريزية واللاوعي التي تحرّك الكثير من السلوكيات الظاهرة للفرد. ومحاولات «برجسون» لدراسة وشرح كل ما هو صادر عن الشعور. وثبت الأمر أكثر في دراسات «ليفي برول» وكشفه عن عقلية ما قبل المنطق عند الفطريين أو الإنسان البدائي (2). فكان ذلك فرجة لدراسة النفس وقراءة السلوك بطريقة مختلفة، حاولت أن تتوازى مع العلم المعاصر الذي انصب على الطبيعة يتحداها ويصارعها، ولم يستطع أن يكتشف إلا النذر القليل من هذا الكائن الآدمي نفسه، الذي يريد مجابهة الكون. ومن هنا كانت محاولات جيمس جويس، هذا الأديب القلق في حياته، المتمرد على كل ما يحيطه، والذي أدار السجال حول نزعاته وشبقاته، مثلما فجره بأعماله القصصية، فكانت أعماله نماذج مصغرة لواقعه المعاش، وبعضها كان تصويرا لكل نزعاته المتقلبة. أي أنه راح يقرأ ذاته بطريقة تختلف عن القصاصين السابقين، وهذا هو سر تفرده، منذ روايته «صورة للفنان كشاب» 1916، ثم «الفينيقيون يستيقظون» 1939، وأخيرا «عوليس» التي حوت قمة رؤاه الفنية وتمرده. لقد أراد أن يكتب رواية تصور الحياة المدركة وغير المدركة (3). والأولى تعني السلوك الظاهري الذي يحكمه الزمان والمكان والمادة، أما الثانية فهي الخلفيات والنوازع الواعية وغير الواعية التي تكمن وراء هذا. وبالتالي كان الأمر يُعَد فتحا على مستوى القص، فهناك تجارب وحالات نفسية لا نستطيع التعبير عنها، وحتى اللغة ذاتها لا تملك مصطلحات نقلها، وهناك لحظات بين اليقظة والنوم، والوعي والجنون، كلها تحرّك السلوك (4)وتلك هي الثورة التي فجرها «جويس»، وأجاد بناء قواعدها في قصصه، فكان النحت وإيلاج كلمات جديدة من لغات عدة (5)، وكان التعامل مع الأسطوري والشاذ والتراكمي. وفي الوقت الذي قد نخجل من طرحها وتسييلها على الورق، فكان لابد من مجابهة الأديب لذاته، كما يجابه الفيزيائي الكون، وإن كان البعض، توقف عند أطروحات «جويس» وتفجيره للذات الجنسية بصراحة تصل لحد التنفير، وتتبع كل ما هو غير مألوف في العلاقات الجنسية، فكانت النظرة المضادة له تنبع من الجانب الخلقي، وهي تمتلك الكثير من المشروعية، فلا الجنس هو المحرّك الغريزي الأوحد كما يرى فرويد-، ولا الحياة الإنسانية تتوقف عند الأعضاء الوسطى من الجسد، وليس التحرر الحقيقي، عندما يصبح إشباعها هو نهاية الأرب. فالقيم والمبادئ والمثل لها أيضا لذتها، فكما تجنح النفس للشهوة الحسية، تجنح أيضا للفضيلة اللاحسية. وهذا هو سبب الاختلاف مع «جويس»، بجانب الأسباب الفنية الأخرى، المتمثلة في كسر المألوف من الحكي القصصي واللغوي. وفي هذا يكون للفن والنقد كلمتهما التي لها الكثير من المشروعية أيضا.كما وجدنا أيضا- تقنيات القص التي مزجت المونتاج السينمائي (6)، لا باعتباره من الحيل الإبداعية، بل باعتباره عملية نفسية ذاتية في المقام الأول، فكل منّا يخضع ما يدور من أمور حوله إلى رؤية نفسه، فيرى الأشخاص وفق زمانه ومكانه وبيئته وأيضا أسطورته وفهمه لدينه ولخالقه. وحركات الارتداد «الفلاش باك» تتم في الوعي قبل أن تنقلها الكاميرات السينمائية. فـ«جويس» يتأمل ويستبطن اختلاجات جوانحه «من خلال عمليات عديدة: صريحة ومضمرة، ذهنية ودافعية، مزاجية وإدراكية، انعكاسية وتراكمية، متروية ومتسرعة، بطيئة ومتلاحقة...» (7) كما يوظف علوم وثقافات عصره في إبداعه. وكان البناء الفني الذي قدمه في أعماله، لا يقوم على حبكة واضحة، بقدر ما يقوم على الفهم المتعدد للقص في العمل الأدبي، الذي لا يلين من القراءة الأولى، بل يتأتى من القراءات المتتالية. وتبعا لذلك، أصبح المفهوم الجديد للفن لا يقوم على تقديم الأمل ووصف انتصار الخير ضد الشر وإن كان هذا يحدث، بل سعى الفن إلى تقديم المزيد والدقيق عن الحالة والواقع الإنساني في لحظات الحكي، تقديما عميقا دون تزييف (8)، ويترك الأمر بعد ذلك للقارئ يستنتج ما يريد من خلال تجربته هو كقارئ. فتحول القارئ إلى مبدع إيجابي غير مسترخ. وهذا بالطبع كان يحدث على درجات عديدة في الآداب والدراميات السابقة، ولكنه أضحى مع رؤية المبدع المعاصر، من الأمور التي تصاحب المبدع في لحظات إبداعه، كما هي تصاحب القارئ في تلقيه. فالفهم لذات الإنسان، لم يقف عند الذات المبدعة فقط، ولا عند تشريح شخوص القص، بل تعداه إلى إشراك المتلقي في النشاط الإبداعي- على اعتبار أن الإبداع لا يُفسَّر من ركن واحد، ولامن رؤية مسبقة، بل هو جزء من الفعل الإنساني الذي لا يخضع لدافع نفسي واحد أيضا. وبذلك صارت وظيفة الفن كما يقول أرنست فيشر: « فتح الأبواب المغلقة، لا ولوج الأبواب المفتوحة»، أي البحث عن المستغلق في أعماقنا ومكنوناتنا، وهذا ما دفع ماركيز إلى أن يؤكد عليه بقوله: «يجب دفع القص إلى أقصى حد، ليتجاوز كل واقع» (9) والواقع هنا كما أرى كل رؤية لا تتعمق الظاهر والسلوك، وتكتفي برصده فقط.ولذا نرى أن مصطلح «تيار الوعي» ليس دقيقا؛ فهو يقصر التداعي على ما يعن للعقل في لحظة وقوع الحدث، فلا المتداعي من الوعي يكون بوعي أو بمنطق من صاحبه الفرد، بل إن لحظة التداعي هي حرة في تكوينها، تتخطى مشاعر الحب والكره، وتتآلف مع اللاوعي في تكوين الدافع والسلوك، وهذا ما وجدناه ونجده في الإبداع، حيث تتقاذف العقل والنفس عشرات من الأمور العقلية واللاعقلية، ومن هنا يكون مصطلح «تيار التداعي» أدق وأشمل، فهو يشمل حركة وتماوج النفس بين الوعي واللاوعي، والعقلي والسلوكي. أما عن الزمان، في هذه التقنية، فإننا نلحظ أن هناك زمنين، زمن الحدث الواقع، و«زمن التداعي»، فالأول هو كائن ثابت خاضع للمقياس العقلي البشري، نستطيع تسجيله ورصده والتحكم فيه، أما الثاني «زمن التداعي» فهو يتخطى كل المقاييس المنطقية، ليحلّق في الزمن المطلق، لأن الحدث المتداعي هو البطل، وهو الذي يجمع في تداعيه أشتاتا من الطفولة والشباب والشيخوخة، بل ويجمع الأمنيات المستقبلية لصاحبه، كل هذا يتم في لحظات قد تكون دقائق وفقا للمقياس البشري أو ساعات، ولكنها تمتد بامتداد العمر، بل وتتخطى هذا العمر البشري، حين يتداعى على العقل والنفس ما توارثه من أساطير وعادات وقيم وخرافات، وفي هذا، يكون الزمن ممتدا عبر الرصيد الإنساني بكل ما عرف وترسب في أعماق الفرد. والأمر نفسه يكون مع المكان، فهناك المكان الواقعي، الذي يكون الحدث الظاهر يحدث فيه، وهناك «مكان التداعي»، وهو يشكل الخلفية المادية المكانية للأحداث المتداعية في النفس عند استثارتها بالحدث الخارجي، وقد نراه في النفس واضحا بتفاصيله وموجوداته، أو غير واضح حينما يكون المتداعي من الأساطير أو الكوابيس أو المشاعر المحبة أو الكارهة. إذاً، يكون «تيار التداعي» ليس مطلقا في كل الأحوال، فهناك تيار زماني متداعٍ مقيد، وهناك آخر مطلق، فالمقيد يكون مقيدا باللحظة الزمانية الواقعية التي استدعته، مثلما أن يرى الفرد حدثا لثورة، فيذكّره بكل ما اختزنه من الأحداث الثورية التي عاشها في حقبات من حياته، سواء اتفق أم اختلف إزاءها فهذا هو المقيد. في حين عندما يخلد الفرد نفسه إلى ذاته، يكون هناك الكثير من الأمور المتداعية، دون رابط موضوعي أو زماني محدد، وكما يحدث في النوم والأحلام، تترك النفس على سجيتها فيكون التداعي هنا مطلقا دون قيد.وينصرف الأمر بالتالي على المكان، وهو مصاحب للزمان والحدث، لأنه يمثّل الإطار المادي الذي يحتويهما، وقد يكون مقيدا أو واضح المعالم والقسمات «كما في الحدث الثوري السابق، حين يذكر الفرد ما رآه بعينيه من مظاهرات ومسيرات في أماكن بعينها»، أو يكون المكان غير واضح المعالم، بل هلامي.وتتبقى الأشياء والجمادات في الحدث الواقعي، والحدث المتداعي، حيث نرى أن ثمة ترابطات بين الشيء الواقعي وهو مجرد جزء، قد يستدعي جزءا آخر يشابهه من أعماق النفس، وقد يستدعي أيضا كلاً يشمل هذا الجزء. وفي الوقت نفسه، فإن التحاور العقلاني يكون واردا أيضا لحظة التداعي، أي أن العقل يكون حاضرا بأشكال مختلفة، سواء بعقد المقارنة بين الواقعي والمستدعى، أو بالانتقاء من الأمور المستدعاة، للربط بينها وبين الحدث الواقعي، أو إقامة حوارا بين الرؤية المترسبة في العقل، وبين الحدث الواقعي.* كاتب وناقد مصري الهوامش: (1) فرجينيا وولف. القارئ العادي. ت/ الدكتور عقيلة رمضان. ص 4. الهيئة المصرية العامة للكتاب. 1971.(2) انظر. د. محمد غنيمي هلال. النقد الأدبي الحديث. ص 489. نهضة مصر للطبع والنشر. د. ت. (3) انظر. إيفور إيفانس. مجمل تاريخ الأدب الإنكليزي. ت/ د. زاخر غبريال. ص 177. سلسلة الألف كتاب الثاني. الهيئة المصرية العامة للكتاب. 1996.(4) انظر، د. محمد غنيمي هلال. مرجع سابق. ص 488.(5) انظر. د. طه محمود طه. موسوعة جيمس جويس. ص 242، 243. دار القلم. بيروت. 1975.(6) انظر. المرجع السابق. ص 246.(7) د. شاكر عبد الحميد. الأسس النفسية للإبداع الأدبي. ص 17. الهيئة المصرية العامة للكتاب. 1992.(8) انظر. د. محمد غنيمي هلال. مرجع سابق. ص 487.(9) انظر. د. شاكر عبد الحميد. م.

رؤية نقدية : الكتابة بالإحساس والحواس ( منشور على ميدل إيست أون لاين )

الكتابة بالحواس والإحساس
كتابة الإحساس هي تسجيل الأديب لكل ما يعتمل في نفسه وما يفكر فيه فيغرق المتلقي في أزمته النفسية وأفكاره وخواطره.
على ( ميدل ايست اونلاين ) على هذا الرابط :
د. مصطفى عطية جمعة
عند التأمل في الكثير من الكتابات القصصية والشعرية، والنثرية بشكل عام، نلاحظ أن الكثير منها يندرج تحت ما يسمى "الكتابة البصرية" أو "كتابة الإحساس والمشاعر فقط". وفي هذا إهمال لحواس الإنسان، وهي حواس فاعلة، وغير مقتصرة على عمل جوارح الأديب فحسب، بل تشكل مع باقي عوامل الإدراك والشعور أساسًا قويًا في فهم العالم والأشخاص والأشياء.
( 1 )
الكتابة البصرية هي الكتابة التي تعتمد الوصف لغة في السرد، فيعمد الأديب إلى الوصف الدقيق لكل للمشهد، بكل جزئياته وتفصيلاته، وعند التمعن في هذا الوصف، نجده يقتصر على استخدام حاسة البصر، فعين الأديب هي الراصدة، والأديب يقيم الأمور وفقًا لعيونه هو، أو عيون أبطاله في العمل الإبداعي. فيظل المتلقي واقفًا عند حدود العمل الأدبي: حدود المكان، حدود الزمان، الوصف للشخصيات خارجيًا، وحركاتها على صعيد المكان والزمان، وقد تتداخل حاسة السمع قليلاً في الوصف، ومثال ذلك:
"دخلتُ الغرفة، الكراسي مصفوفة في نظام، باقة من الزهور في المزهرية، ألوانها متنوعة، ثمة أوراق في ركن قصي، نظرت إليها، كانت مجلات وصحفًا قديمة، متداخلة الأوراق، يصلني صوت المذياع بموسيقى صاخبة، تمشيت جيئة وذهابًا، ثم جلست على كرسي، إنني في انتظار صديقي الذي أدخلني الغرفة، وتركني، أمسكت مجلة قريبة، صورة الغلاف تمتلئ بجسد امرأة فاتنة".
في النص السابق نلاحظ: وصف لكل محتويات الغرفة، ونرصد عين البطل تجول كالكاميرا، تنقل لنا كل شيء، وتعلل سبب وجوده، وتحركاته في الغرفة.
إن هذا اللون من الكتابة البصرية، يجبر المتلقي على الوقوف الظاهري أو بالأدق التسطح في تناول العمل، فهو منشغل بالتفاصيل، جاهل بما في نفس البطل. ويكثر هذا اللون في كتابات الأدباء الشبان، حيث يرغبون في توصيل كل شيء مرئي إلى القارئ، فهو يفترضون أنه جاهل بكل شيء، فعليهم القيام بالمهمة، فيغرقون في الجزئيات البصرية والحركية.
كما نجدها بكثرة لدى كتابات الروائية والقصصية التي تعنى بتقديم عالم مكاني جديد – نسبيًا أو كليًا – على القراء، مثل عالم الصحراء أو المناطق النائية في الريف أو أمكنة المهمشين، وهذا اللون يتناسب معها، ولكنه يظل قاصرًا عن تقديم الفهم الكلي للعالم والأشخاص.
كما نراه أكثر في عالم السينما: ففي الأفلام العربية القديمة، تحرص الكاميرات على تصوير حركات الشخوص في المكان، وتعنى برصد المكان بما فيه بشكل دقيق بجانب تتابع الأحداث الدرامية.
كما نراه في الفنون التشكيلية؛ في اللوحات التصويرية، خاصة في حقبة مايكل أنجلو ودافنشي، حيث الاعتناء بتفاصيل الجسد والوجوه، وكل ما في المكان.
ونراه أكثر وضوحًا في الأعمال الفنية الأوروبية التي صوّرت العالم الإسلامي والعربي ابتداء من القرن السابع عشر، حتى أوائل القرن العشرين. وهي لوحات سجلت بشكل دقيق حياة العرب والمسلمين، بريش الفنانين الأوروبيين الذين وفدوا للمغامرة والبحث عن عوالم فريدة عجيبة تبهر الأوروبي.
وكيلا يظن البعض أن الكتابة البصرية (أو التعبير البصري) لا ينقل أحاسيس ولا أفكار، فهذا غير حقيقي، فهو ينقل الإحساس والفكر، من خلال ما يستنبطه المتلقي من الوصف، وهذا استنباط غير كامل، لأنه يجعل المتلقي أسيرًا في فهمه ومشاعره للوصف المقدم إليه من المبدع والفنان.
( 2 )
أما كتابة الإحساس فهو: تسجيل الأديب لكل مشاعره، وما يعتمل في نفسه، وما يفكر فيه، فيغرق المتلقي في أزمته النفسية وأفكاره وخواطره، بينما ينزوي المكان بوصفه، والجسد بحركاته، والزمان بساعته. ومثال لذلك:
" إنني في حيرة من أمري، أعيش قلقًا وسآمة، كلما غدوت إلى مكان أشعر بانقباض نفسي، أكره الناس، الأشياء، العالم، أريد العزلة، أن أعيش في ذكريات الطفولة الجميلة، هربًا من واقع أليم، واقع الفقر، وقلة الشيء، وفقدان الأمل في الحياة".
صحيح أن نقل المشاعر مطلوب، وهدف يسعى الأديب لترسيخه في متلقيه، ولكن هل الإنسان يحيا وينظر بمشاعره فقط، ويحيا وسط مشاعره فقط، أم أنه يحيا في معية الناس والأشياء، وسط مكان وزمان، وهو يتعامل مع هذا كله بأحاسيسه وعقله.
( 3 )
إذن الكتابة بالحواس والإحساس هي: التعبير بكل حواس الإنسان وجوارحه عن اللحظة المعاشة، قدر المستطاع، ووفقًا لما يراه المؤلف الضمني كي تصل رسالته إلى المتلقي كاملة. فيكتب مستعينًا بحواس: البصر في الوصف المكان والأشياء، وحاسة السمع في نقل مختلف الأصوات في المشهد، وحاسة اللمس لإشعارنا بملمس الأشياء: خشنة أو ناعمة، حارة أو باردة ..، وحاسة الشم في نقل رائحة المكان والأشياء مثل: النباتات والروائح المتطايرة في الجو وروائح المصانع والمطاعم والمستشفيات والموتى ..، وحاسة التذوق في إيصال ذائقة الأشياء التي يمكن تذوقها، كل هذا بفؤاد المبدع وعقله، وفي هذا الإطار هناك عدة نقاط مهمة:
الأولى: إن توصيل الأديب لهذه الحواس عبر الكتابة تتم في معية: الإدراك والشعور، فالإدراك: هو التصور العقلي والفهم للمعبر عنه، والشعور: أحاسيس المبدع في تعامله مع الأشياء والمكان والزمان والشخوص والأحداث.
الثانية: وهي مترتبة على النقطة الأولى؛ فإن الأديب قبل أن يمسك القلم، عليه أن يتعايش ويتأمل الموقف المعبر عنه، بكل حواسه، لا يكتفي بالسرد المتتابع المتلاحق الوصفي، بل يكتب بكل حواسه، يجعل المتلقي عائشًا في اللحظة الإبداعية بكل كيانه.
الثالثة: إنها كتابة معقدة، تحتاج إلى قاموس لغوي ثري يمتلكه الأديب، وقدرة خاصة على صنع التعبيرات والتراكيب اللغوية التي تنقل بدقة الحدث بكل متعلقاته النفسية والفكرية والشيئية.
الرابعة: إن هذه الكتابة ذات صلة بتراسل الحواس، وهو مصطلح أسلوبي يقصد أن يجمع التركيب اللغوي ألفاظًا ذات صلة بعدة حواس في آن، منطلقة من مفهوم الإدراك الكلي المتداخل للشيء، فعندما نقول: الوردة جميلة، لا نقصد الشكل (حاسة البصر فقط)، بل نقصد: الرائحة (الشم)، والرقة (اللمس)، والبهجة لرؤيتها (الشعور). ومن الممكن أن نقول: "الوردة تأخذنا إلى فضاء جميل" أو "نعايش الوردة الحلوة" .. إلخ.
الخامسة: إن هذه الكتابة لا تشمل كل أنواع الكتابة في العمل الأدبي، بل يتطلبها الموقف الإبداعي ذاته، فهناك مواقف يقتصر التعبير فيها على حاستين أو ثلاث، وهناك ما هو أكثر أو أقل، هذه يقدرها المؤلف الضمني في إبداعه.
السادسة: تتطلب هذه الكتابة أيضًا ما يسمى بظاهرة "تداخل الضمائر"، وتعني تعبير المبدع بضمائر مختلفة: المتكلم والمخاطب والغائب في الموقف الواحد، بهدف توصيل كل الأصوات للمتلقي، دون غلبة ضمير بعينه: المتكلم مثلا أو الغائب، لأن التعبير بضمير واحد يعني ضمنًا استخدام حاسة أو حاستين على أقصى تقدير.
السابعة: إن هذه الكتابة متحققة في إبداع الكثير من المبدعين، مثل: نجيب محفوظ (في مرحلتي التجريب والنضج)، محمد عفيفي مطر (مجمل أشعاره)، محمد الماغوط (شعره ورواياته خاصة رواية الأرجوحة)، أمل دنقل (في دواوينه الأخيرة) وكثيرين غيرهم ...، كما أنها موجودة في كثير من الكتابات التراثية وتنتظر البحث والتنقيب عنها.
الثامنة: إن الكتابة بالحواس والإحساس، لا تقتصر على الإبداع الأدبي، بل تتخطاه إلى كافة الفنون، فجوهر المدرسة الانطباعية في الفن التشكيلي هي التعبير بالحواس والإحساس باستخدام الريشة أو خامات أخرى. وكذلك في الفن السينمائي: ونلاحظ سينما المخرج محمد خان (مصر) كيف تكون اللقطة السينمائية مشحونة بكل تعبير حركي وشيئي وجسدي، ولعل فيلم "أحلام هند وكاميليا" خير مثال: فالمشاهد دقيقة في لفظها، عميقة في دقائقها، تنقل أحاسيس الأبطال، ورد فعل الشارع؛ وغيره كثيرون في أنحاء العالم.
ومثال لكتابة الحواس والإحساس:
"دخلتُ الغرفة، الكراسي ناعمة الملمس، كسوتها لامعة، وهي مصفوفة في نظام، باقة من الزهور المتألقة في الزهرية، تبعث الكآبة؛ لذبولها وشحوب ألوانها، وانطفاء روائحها، ثمة أوراق في ركن قصي، عانقتها عيناي، كانت مجلات وصحفًا قديمة يفوح العطن من عناوينها التي تروج لشعارات حكومية سئمت النفس من تكرارها، الأوراق متداخلة، يصك أذني صوت المذياع بموسيقى صاخبة ملأت فؤادي بالغثيان، تمشيت جيئة وذهابًا، الجدران تلفظني، ثم جلست على كرسي، كسوته شوك في ظهري، إنني في انتظار صديقي الذي أدخلني الغرفة، وتركني، أمسكت مجلة قريبة، الزمن ثقيل الخطى، صورة الغلاف تمتلئ بجسد امرأة فاتنة، كرهت هيئتها".
( 5 )
إن الأزمة التي صنعت هذا اللون من الكتابة تعود إلى: شعور المبدع الحقيقي أنه متوحد النفس مع عالمه، ورسالته الإبداعية تتمثل في نقل هذا العالم إلى متلقيه ومن هنا فإنه يحترق بالكلمة أو بالريشة أو بالكاميرا من أجل متلقيه. لعل هذا هو ما دفع أحد المبدعين العرب في الأردن ومصر إلى أن يسجل نصوصا إلكترونية؛ تجمع الصورة والكلمة والموسيقى في نص واحد.