الخميس، 16 سبتمبر 2010

مقدمة كتاب اللحمة والسداة للدكتور مصطفى ع

إضاءة أولى

عندما نطلق مصطلح " اللُّحمة والسَّداة " على النص الأدبي ، فإننا لا ننأى عن جوهر النص من حيث كونه نصا لغويا يحمل الكثير من الإشارات والجماليات والإيحاءات والدلالات ، بل إن هذا المصطلح يصب في صميم مفهوم النص، وفق النظرية النقدية الحديثة ؛ فالنص الإبداعي مثل النسيج ، يمكن رؤيته على هيئة النسيج : خطوط عرضية وهي اللحمة ، وأخرى طولية وهي السداة . وإذا كنا لا نتخيل نسيجا دون خطوط متقاطعة متلاحمة ، فإن الأمر يتشابه في النص الأدبي ، بل هو واقع كائن فيه، وما على الناقد إلا أن يقرأ النص في ضوء هذا التصور ، بأن يتخيل الخطوط / العناصر الطولية التي تشكل بنية النص ، والخطوط / العناصر الأفقية العرضية التي تربط هذه الخيوط فيما بينها ، عبر دوائر دلالية ورؤيوية .
ويأتي هذا الكتاب معززا هذا المفهوم بأن يتم التعامل مع النص الأدبي بوصفه نسيجا ؛ فنتأمل بناءه الرأسي ، والدوائر الدلالية الكامنة خلف هذا البناء ، وتتقاطع معه ، ونتمعن في إشاراته الأسلوبية وما تبثه من إيحاءات ودلالات ، وهذا عملية مكتملة ، لا تقف – بالطبع – على حدة عند الرأسي أو الأفقي ، بل تدرس لحمة النص وسداته بشكل شمولي ، في استكناه ما يختزنه النص من أبعاد ثقافية واجتماعية تفهم من شفرات النص ، وتضاء بتحليل الناقد .
إن هذا المفهوم يعيد قراءة النص كوحدة واحدة ، بعيدا عن القراءات التي تمعن في عرض جماليات الشكل ، أو القراءات التي تقف عند طروحاته الفكرية ، وقد يجرف القلم الناقد فيحمل النص ما لا يحتمل من رؤى .
وقد رأى الباحث أن تكون مدرستا الهرمنيوطيقا ( علم التأويل ) ، والسيموطيقا ( علم العلامات ) منهجين أساسيين يعتمدهما في قراءاته ، وهذا لا يعني أنه سيقتصر على هذين المنهجين فقط ، بل هو ساع إلى الاستفادة من مناهج نقدية أخرى مثل البنيوية والأسلوبية والسرد و النقد الثقافي والاجتماعي وغيرها ، وهذا ما يلمسه القارئ في مباحث الكتاب : النظرية والتطبيقية .
على صعيد آخر ، وفي ضوء عنوان الكتاب المتقدم ، فإن اللحمة والسداة لهما مفهوم أكثر خصوصية . فلكل نص علاماته ، وهذه العلامات قد تكون ذات إيحاءات خارجية ( إلى ما هو خارج النص في الحياة ) ، أو داخلية ( إلى ما هو داخل النص عبر ما رسخ في ذهن المتلقي في رحلته النصية ) ، ولا يمكن فهو العلامة النصية إلا بتأويلها وفق المعطيات النصية ، ونقاط الضوء التي يتلمسها الناقد في ثنايا النص .
وبعبارة أخرى أكثر دقة ، فإن العلامات النصية / السيميوطيقيا أشبه بالسداة عبر تتابعها الرأسي في النص ، وتأتي جهود تأويل النص تلحم هذه العلامات مع بعضها البعض ، وفي ضوء نسيج النص الكلي .
ويجدر بالذكر ، أن هذه الدراسات نشرت في مجلات وصحف ومواقع إلكترونية عديدة( ) خلال عام ماض ، ورغم أنها كتبت في أزمنة متفاوتة ، ولكنها حوت فرضيات منهجية كانت تعتمل في ذهن الباحث – خلال فترة محددة - وسعى إلى اختبارها وتطبيقها في نصوص عدة ، وهي تطبيقات راعت أن تقدم نصوصا إبداعية: شعرية وقصصية ومسرحية جديدة نسبيا ؛ صدرت خلال العقد الأخير أو قبله بقليل ، وهي لأدباء عرب متعددي الأعمار والتجارب والعطاءات ، وتسعى هذه الدراسات النقدية إلى مناقشة هذه الإبداعات مناقشة جادة ، تستكشف جمالياتها ، ورؤاها ، وأيضا بعض مثالبها .
آمل من القارئ الكريم أن يجد بعض المتعة التي استشعرتها في مصاحبتي لهذه النصوص ، وهي مصاحبة نشأت عن علاقة دافئة جمعتني مع النصوص قراءة وتلقيا ومعايشة ، قبل أن تسطر مدادا على الورق .
والله دوما وأبدا من وراء القصد ،،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق