السبت، 17 أبريل 2010

قراءة في مسرحية " أمطار رمادية " شحاتة إبراهيم

قراءة نقدية في مسرحية : أمطار رمادية للدكتور مصطفى عطية :
عندما تتوهج الحياة لتصنع فنا ، نص ينتمي للمسرح الإيجابي
للشاعر : شحاتة إبراهيم
( نشرت هذه الدراسة في جريدة الراي الكويتية ، على هذا الرابط : http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=161183&searchText=شحاتة%20إبراهيم
وأيضا في جريدة مسرحنا المصرية بتاريخ 20 / 3/2010 )
استعان المخرج(أحد شخوص مسرحية أمطار رمادية ) بالمرأة لكى توقع يوسف بطل المسرحية فى غرامها وبذلك يدفعه الحب إلى التخلى عن التطرف ....واستعان رجال أمن الدولة بامرأة جميلة مثقفة لاختراق يوسف وإيقاعه فى حبائلها وبذلك تتشوه صورته عند مريديه فينبذوه وينبذهم وبذلك يتخلى عن التطرف .....وهو ما يثير الجدل حول رؤية الكاتب الدكتور مصطفى عطيه للمرأة هل هى فقط مجرد ( أداة ) للمتعة أو لاختراق الآخرين أمنيا ...الإجابة ربما تكون (لا ) نظراً لحيوية دور المرأة فى هذه المسرحية وعدم الوقوف بها عند نمط معين بل يمكن القول أن المرأة تجسدت فى العديد من الأدوار المتباينة : فهى الفنانة دلال الباحثة دوما عن الشهرة والمال،، وهى والدة فوزى الارستقراطية العتيدة،،،وهى ( منى ) المرأة غريبة الأطوار ،، وهى أم زكى المنغمسة مع فوزى فى لياليه وسهراته ... فهى إذن نماذج كثيرة استطاع المؤلف الإمساك بخيوطها بإحكام ولم يقف فيها عند نمط واحد للمرأة.
وتظل شخصية فوزى أبو طالب بطل المسرحية والذى اجتهد المؤلف كثيرا فى رسم ملامح شخصيته نفسيا وثقافيا واجتماعيا ،، تظل شخصية اشكالية على أكثر من صعيد ،، فبرغم انتمائه إلى عائلة اقطاعية ارستقراطيه إلا أنه ناصرى الهوى مساند للثورة ،،ورغم أن الثورة أخذت الكثير من أملاكهم ووزعتها على الفلاحين إلا أنه لا يزال محبا لعبد الناصر والناصرية ويرى فيها تحريرا للإنسان وتجديدا للفن بربطه بالواقع الناهض ،، ثم وفى تطورات أخرى يكفر بالثورة وبهؤلاء الثوار المستبدين بل ويكفر بالوطن كله وبالعمل السياسى والجماعى وينحاز لذاته فقط ....................
فمن الواضح أننا أمام مؤلف جرىء لا يقف أمام تطور أفكار ومشاعر شخصيات مسرحيته ولا يحد من جموحها بل يترك لهم العنان كاملا دون أى خوف من هروب الخيوط الأساسية للمسرحية من يديه وهى جرأة لافتة لمؤلف يكتب عمله المسرحى الأول ...

وأعترف أننى لم أتحمس كثيرا ً لخوض مصطفى عطية لتجربة كتابة المسرحية ... وعندما كتب عمله الأول ( أمطار رمادية ) وأعطانى نسخة منه كنت أخمن ـ ولى كل الحق ـ بأنه سيكون عملا فاشلا .... لذا فقد استقبلته بقدر غير قليل من اللامبالاة لسبب بسيط جدا وهو أننى عرفت مصطفى عطية ناقدا متمكنا وعرفته روائيا وقصصيا له العديد من الأعمال واعتبرت اندفاعه إلى فن أدبى جديد عليه يعتبر مغامرة بكل معانى الكلمة تشتت الجهد ولاتحقق أى إنجاز منتظر ولكن رغم كل ذلك تظل الأحكام المسبقة ــ من وجهة نظرى ـ خطأ يصل إلى حد الخطيئة وقسوة غير مبررة فى كثير من الأحيان ,,,لذا كان الطبيعى أن أقرأ المسرحية وأتعرف عليها
...لكن للحقيقة أيضا فقد فاجأتنى المسرحية كثيرا عندما قرأتها وربما أدهشنى مستواها الذى يشير إلى كاتب مسرحى مجتهد ومؤهل لإنجاز أعمال مسرحية أخرى قادمة أكثر نضجا وأعمق رؤية ........... ...
.............................
وبنظرى يظل الحوار هو البطل الأول لهذا العمل فهو يتميز بالحيوية والعمق أيضا.....وهوهنا ليس مجرد جمل تقال على لسان الشخوص لملء القالب الحوارى ولكن كل جملة فى الحوار صيغت بعناية واستطاع الحوار أن يكون بطلا هنا بطزاجته وبقدرته على تحمل هذا الكم من القضايل السياسية والاجتماعية والثقافية التى سرت فى نسيجه ولكنه لم يترهل تحتها ولم يفقد إيقاعه ولا حيويته بل ظل طوال المسرحية علامة بادية على تمكن الكاتب فى إدارة حواره وعلى حماسه الشديد للقضايا المطروحة لذا جاء مستوى حواره بمستوى حماس المؤلف لأفكاره ورغبته فى عرضها والدفاع عنها فبدا الحوار دائما فى حالة توهج ولمعان ........
....................
المسرحية تعبر فى وجوه من وجوه تميزها أيضا فى كونها تنتمى للمسرح الإيجابى وتبتعد إلى حد كبير عن مسرح الإسفاف أو المسرح الاستهلاكى ففكرتها الأساسية تقوم على انتقاد الكثير من الممارسات الخاطئة لبعض مؤسسات الدولة المهمة كالثقافة وأمن الدولة،، وكذلك تضع ضوءا عميقا على فساد مجموعة كبيرة من المثقفين وانتهازيتهم واحتيالهم كل الوسائل للوصول إلى الشهرة أو الأضواء .. فهم يقبلون أحيانا المهانة.. كما حدث مع أحد أبطال المسرحية وهو الزنكلونى( مؤلف ) الذى كان يعمل خادما عند المخرج المشهور السيد رائف طمعا فى أن يسند إليه يوما كتابة عمل ما ..... وفوزى( مخرج ) يوافق على إخراج مسرحية هابطة داخل أحد الأحزاب طلبا للمال لاغير...وهى مسرحية فاقدة للقيمة الفنية والأخلاقية كونها ممولة وموجهة من طائفة من الشعب لتشويه طائفة أخرى من أبناء الشعب وهو ما لا يليق بالفنان الملتزم أن يقبله ....وكذلك منيرة (المثقفة) التى اختارها الأمن للإيقاع بيوسف وقبلت هى ذلك واستطاعت تنفيذ هذا المخطط وتحقيق الهدف المرجو منه ...و(الممثلة المشهورة) دلال قبلت العمل بمسرحية بالأقاليم بسبب المال فقط رغم أنها تعرف أنها ليست عملا فنيا يضيف إليها أى شىء بل على العكس تماما ......ونجدها تقول فى موقف آخر( وأنا قبلت دفع الثمن من سعادتى وراحتى وسمعتى ، وكان المقابل هو المال والشهرة ) ......وكأن الكاتب حريص طوال الوقت على إلقاء ضوء عريض وقاس على سلبية بعض المثقفين وانتهازيتهم الواضحة وحصدهم لثمار انبطاحهم وتنازلهم ألا وهو تحقيق قدر من الانتشار والذيوع ما كان يتحقق لو كانت شخصياتهم مستقلة وسوية
............ ........
لكن تبقى بعض الملاحظات العابرة التى لا تقلل بحال من تميز هذا العمل الجيد ....فقد حدثت سقطة فنية ملموسة من الواجب الإشارة اليها ...ففكرة مسرحية داخل المسرحية أو مشهد مسرحى داخل المشهد المسرحى أداة
فنية راقية ومفيدة فى نجاح العمل الفنى بشرط وجود الوعى بالفروق الجوهرية بين المشهدين عند الكاتب وهو ما أظنه أن الكاتب هنا لم ينتبه له جيدا...فأحد الأحزاب التى تدعى المعارضة والذى هو صنيعة الحزب الحاكم تلقى دعما من الحزب لانتاج مسرحية تقدم دعاية مغرضة ضد الجماعات الدينية ..وطبعا سنتخيل أن المسرحية الموعودة هذه سوف تبث سموما وتغرس أفكارا عند المتفرجين هدفها تشويه هذه الفئات المعارضة ولكن إذا بالمسرحية ـ فى غياب اليقظة الفنية من المؤلف الأصلى مصطفى عطية ـ إذا بها تحتوى أحد المشاهد يجتمع فيه ضباط الأمن ويتحدثون عن خططهم ونجاحاتهم فى تشويه هذه الجماعات وحيلهم الناجحة لبث الاكاذيب عنهم ...هنا الخطأ الفنى إذ من غير المعقول أن تنتج الدولة مسرحية تتحدث فيها عن مكرها ببعض بنيها وتلفيقها التهم لهم ومحاولتها تشويه بعضهم.....فإحساس الكاتب بالظلم الذى يتعرض له البعض على يد رجال الأمن دفعه لتعرية هذا فى مشهد مسرحى ليدين به هذه الممارسات... لكن توظيف ذلك داخل المسرحية كان بدون وعى كاف.. وليس فى سياقه الفنى الصحيح.
والملاحظة الثانية هى ان البطل الاساسى للمسرحية فوزى أبو طالب يتشابه فى كثير من ملامحه ومواقفه وأفكاره مع احدى الشخصيات الشهيرة هنا .... وهذا وارد إذا كانت الحنكة الفنية ناضجة بحيث يكون هذا التماس مع تلك الشخصية الحقيقية مبررا فنيا وغير فج أو مفضوح خاصة لو اعتمد على المزج بين الخيالى والواقعى فيحمى بطله من أن يصبح ظلا أو صورة من أحد ...لكن الذى حدث هنا أن العمل المسرحى استغرق كثيرا فى الاقتراب من هذه الشخصية لدرجة أنه ما أسهل أن نقول أنه يقصد فلانا تحديدا ولا أظن أن الفن يقبل أن يبدو وكأنه صورة فوتوغرافية من الواقع لأن ذلك فنيا خطأ.... وهنا تحديدا سيكون أخلاقيا خطأ أيضا صحيح أن حسن النية موجود ومتوفر بكل تأكيد والحماس لدى الكاتب هو دافعه الأساس ولكن يظل علينا أيضا أن نشير أو ننبه إلى ما خفى بعض الشىء على الكاتب....
إننا أمام عمل فنى راق به الكثير من الإيجابيات والنذر اليسير من السلبيات ربما يبررها له كونها التجربة الأولى له بالمسرح وكونه تعامل مع المسرحية بحس روائى مألوف عنده......

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق